بشراكة مع الصين..المغرب يطلق مشروعا فلاحيا طموحا لترويض الملوحة والعطش

المذكرة السياحية 

في خطوة استراتيجية هادئة ولكن محملة بالدلالات، أعلنت المملكة المغربية عن إطلاق مشروع فلاحي متكامل بشراكة مع مجموعة “جونغنونغ” الزراعية الدولية، التي تتخذ من هونغ كونغ مقرا لها، في إطار مذكرة تفاهم وقعت مؤخرا مع وزارة الفلاحة والصيد البحري المغربية.

المشروع، الذي تصل كلفته المبدئية إلى 220 مليون درهم، يمثل أحد أكبر استثمارات القطاع الخاص الأجنبي في المجال الفلاحي خلال العام الجاري، ويستند إلى رؤية واضحة لتحويل المناطق شبه الجافة بالمملكة إلى مراكز إنتاج زراعي عالية المردودية وموجهة للتصدير، مع تقليل استهلاك المياه ورفع إنتاجية الأرض.

ويرتكز المشروع على ثلاثة محاور رئيسية: تعميم أنظمة الري الموضعي (بالتنقيط)، وتحسين خصوبة الأراضي المالحة والقلوية، وزراعة محاصيل استراتيجية قليلة استهلاك المياه، مثل الزيتون والرمان واللوز والتين.

وتؤكد “جونغنونغ” أن التكنولوجيا الرقمية ستشكل العمود الفقري لهذا التحول، عبر أنظمة ذكية لتغذية التربة، وتحليل بيانات الزراعة، وتتبع الإنتاج في الزمن الحقيقي، مما يساهم في خفض استهلاك المياه بنسبة 50%، ورفع إنتاجية الهكتار بـ20% على الأقل.

ويتضمن المشروع أيضا إحداث مركز للتكوين الفلاحي المهني، سيعنى بتدريب الشباب القروي على تقنيات الزراعة الذكية والمستدامة، في خطوة تستهدف تأهيل الكفاءات المحلية وضمان استدامة المشروع. كما يتوقع أن يُوفر المشروع أكثر من 300 وظيفة مباشرة، وهو رقم قابل للارتفاع مع توسع العمليات.

من جهته، وصف وزير الفلاحة والصيد البحري هذا التعاون بأنه “نموذج متكامل لدمج التكنولوجيا مع التمكين الاجتماعي”، في بلد يشكل فيه القطاع الفلاحي ركيزة حيوية للتشغيل والتنمية بالمجال القروي.

وتندرج هذه الشراكة ضمن رؤية أوسع تعتمدها “جونغنونغ” لتوسيع حضورها خارج آسيا وأمريكا اللاتينية، حيث حققت نجاحات ملحوظة، وتسعى إلى جعل المغرب منصة استراتيجية لنموذج الزراعة الذكية في منطقة شمال إفريقيا، بما في ذلك الجزائر وتونس ومصر.

ويراهن هذا النموذج على ما يعرف بـ”المثلث الذهبي”: رأس المال، والتكنولوجيا، وسلاسل القيمة العالمية، بما يجعل الاستثمار الزراعي ليس فقط وسيلة لإنتاج الغذاء، بل أيضا رافعة للاقتصاد المحلي وتعزيز الأمن الغذائي القومي.

ووفق خبراء ومحللين، فإن هذا المشروع يحمل خمسة تداعيات استراتيجية رئيسية: تحول نوعي في نمط الإنتاج الزراعي، من الزراعة التقليدية إلى الزراعة الذكية القائمة على البيانات، واستجابة مباشرة لأزمة شح المياه، من خلال نظم ري حديثة وتقنيات استشعار دقيقة، ودعم التصدير وتكامل المغرب في سلاسل الغذاء العالمية، خاصة في محاصيل ذات طلب مرتفع دوليًا، وتحفيز القطاع الخاص المغربي على الانخراط في الابتكار الفلاحي، باستلهام نموذج “جونغنونغ”، بالإضافة إلى تعزيز التعاون جنوب-جنوب، في وقت تتجه فيه الاقتصادات النامية لإيجاد حلول جماعية للأمن الغذائي.

وبهذا المشروع، يعزز المغرب مكانته كـ”مختبر مفتوح” لحلول الزراعة المستقبلية في إفريقيا، ويرسخ موقعه كجسر استراتيجي بين الاستثمارات الآسيوية والطلب الأوروبي على المنتجات الزراعية. والأهم، أنه يبعث برسالة واضحة هي أن الابتكار الفلاحي لم يعد خيارا، بل ضرورة وجودية في عالم تتصارع فيه الدول على كل قطرة ماء وكل بذرة إنتاج.