المذكرة السياحية
على عكس الكثير من زميلاتها اللواتي اخترن استكمال دراستهن في أوروبا القريبة جغرافيا وحضاريا من المغرب،فضلت بشرى العموري، الطالبة المتحدرة من الناظور ،خوض غمار تجربة مواصلة دراستها العليا في بلد آسيوي بعيد، مقتفية ” اطلبوا العلم ولو في الصين “.
حبها لاكتشاف ثقافة آسيا، جعلها لا تتردد سنة 2017 في حسم قرارها بالإلتحاق بجامعة تيانجين الصينية، عوض جامعة أوروبية أخرى، بدافع التعرف على نمط الحياة الصينية، والاستفادة من مناهج وعلوم التدريس المتقدمة في جامعات هذا العملاق الآسيوي التي تضاهي مثيلاتها في الغرب.
تقول بشرى العموري، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، “بعد توصلي برسالة القبول من جامعة أوروبية (النمسا) وأخرى صينية في نفس الوقت في عام 2017، لم أتردد كثيرا في اتخاذ القرار بالقدوم إلى الصين لمتابعة دراستي، وفي نفس الوقت خوض تحدي عيش تجربة حياة أخرى في بلد آسيوي”.
وتذكر الطالبة التي تنحدر من منطقة الريف، والتي تتابع سنتها الثانية في دراسة ماستر هندسة البيئة بجامعة تيانجين، أن والديها تركا لها الحرية الكاملة في الاختيار رغم أنهما كانا يفضلان توجهها لأوروبا بحكم وجود الكثير من أقارب الأسرة المقيمين هناك، مبرزة أن والديها احترما قرارها لأنهما ربياها هي وإخوتها على الاعتماد على الذات والاستقلالية في اختياراتهم.
فبعد حصولها على إجازة مهنية من جامعة عبد المالك السعدي بتطوان في مجال الطاقات المتجددة سنة 2015، عملت في القطاع الخاص لمدة سنة، لكن فكرة السفر إلى الخارج لمتابعة الدراسة العليا بقيت دائما تراودها، وخاصة في منطقة آسيا بحكم أن اثنين من إخوتها الكبار مروا أيضا بتجربة الدراسة في الصين.
وبالنسبة لها، فإن الصين تمثل أفضل خيار لمواصلة الدراسة في مجال تخصصها بحكم السمعة الجيدة لجامعاتها التي باتت تحتل مراتب متقدمة في التصنيف العالمي، مبرزة الظروف الجيدة التي توفرها الجامعة للطلبة وخاصة الأجانب من حيث الاستقبال وتوفير السكن الجامعي والمواكبة ومختلف أنواع الدعم، فضلا عن التجهيزات المتقدمة للمختبرات التابعة للجامعة لإجراء البحوث العلمية.
وتؤكد العموري أنها لم تجد صعوبات كبيرة في التأقلم مع نمط الحياة في هذا البلد الآسيوي، وربط علاقات متينة مع زميلاتها الصينيات وأيضا من جنسيات مختلفة، وتشير إلى أن تجربتها في مجال العمل التطوعي في المغرب، وتمكنها من لغات أجنبية إضافة إلى مواصلتها تعلم اللغة الصينية، كلها عوامل ساعدتها على ربط جسور التواصل مع محيطها بسهولة وكسب ثقة زميلاتها .
وتقول إن المغرب دائما ما يكون حاضرا في نقاشاتها مع زملائها وخاصة أن بدايات التعارف تنطلق من التساؤل عن مسقط الرأس وهو ما يقود بشكل تلقائي للحديث عن مميزات البلد، مبرزة أنها تحرص على إشباع فضول زملائها الصينيين بشأن ثقافة وحضارة المغرب ومعالمه السياحية وعاداته وتنوع طبخه وأشهر المأكولات، إلى جانب تصحيح بعض التصورات أو الأفكار الخاطئة.
كما يمتد النقاش، تضيف الطالبة المغربية،إلى ما يتعلق بوضعية المرأة المغربية وكيف أنها أصبحت حاضرة في كل مجالات الحياة والوظائف الحيوية في المجتمع كالطب والقضاء والتدريس بكل درجاته والهندسة والأعمال الخاصة وغيرها من المجالات بفضل مثابرتها في الدراسة والتفاني في عملها.
وتشير إلى أن كل ذلك ينضاف إلى تبوئها مكانة مهمة في تدبير الشأن العام، حيث أصبحت المرأة المغربية حاضرة بقوة في المؤسسات المنتخبة محليا وجهويا وفي البرلمان بمجلسيه إلى جانب تمثيليتها في الحكومات المتعاقبة، فضلا عما حققته نساء الجالية المغربية من حضور متميز في مواقع القرار في بلدان الاستقبال، وهو ما يمثل، بالنسبة لها، مصدر فخر وإشعاع لصورة المغرب في الخارج.
قدرة هذه الطالبة المغربية على تقديم واقع المغرب المتميز بتنوع وتعدد ثقافاته وروافده، وتواصلها المنفتح مع محيطها جعل الكثير من زملائها الصينيين يتطلعون لزيارة المملكة واستكشافها، خاصة وأن المغرب ألغى التأشيرات لفائدة المواطنين الصينيين، وهو ما مكن من انتقال عدد السياح الصينيين الذين زاروا المغرب من 4000 في 2013 إلى 120 ألف في 2017، حيث بات مألوفا رؤية هؤلاء السياح يتجولون في الأماكن السياحية المغربية والشوراع العامة بالمملكة.
وتعتبر هذه الطالبة المعتزة بتجذر هويتها وتعدد وغنى ثقافة بلدها وانفتاحه عبر التاريخ، أن أعظم مثل للتواصل والتفاعل الإيجابي بين الشعوب هو الرحالة المغربي الشهير ابن بطوطة، الذي زار الصين وأمضى فترة من الزمن وسط الشعب الصيني المضياف وترك بصماته في هذا البلد الاسيوي العريق.
وتقول إنها تشعر بفخر كبير عندما يتحدث أحد أساتذتها الصينيين أو الطلبة بالجامعة عن الرحالة ابن بطوطة، وهو ما يعكس عراقة التواصل بين الشعبين المغربي والصيني وتبادل الثقافات.
وشهدت السنوات الأخيرة إقبالا متزايدا للطلبة المغاربة على متابعة الدراسة في الجامعات الصينية، بينهم عدد مهم من الطالبات على غرار بشرى العموري، خاصة بعد إحداث ثلاث معاهد كونفشيوس بكل من الرباط والدار البيضاء وطنجة، لتعليم اللغة الصينية، فضلا عن الافتتاح الأخير للمركز الثقافي الصيني بالرباط.
وبحسب صحيفة “تشاينا ديلي” الصينية، فقد باتت الصين ثالث أكبر مقصد عالمي للطلبة الأجانب، بعد أن وصلت أعداد الطلاب الدوليين المسجلين إلى 489 ألف و200 في عام 2017، وسط توقعات بأن يصل الرقم إلى 500 ألف طالب أجنبي بحلول العام 2020.
كما أصبحت الصين تتوفر على عدد من الجامعات المدرجة في قائمة أفضل 100 جامعة على مستوى العالم، فيما تشهد معظم الجامعات الصينية تحسنا في أدائها وترتيبها.
وتعتبر جامعة تيانجين التي تواصل فيها الطالبة المغربية دراستها العليا جامعة عريقة لكونها أول مؤسسة حديثة للتعليم العالي في الصين، ويرجع تاريخ تأسيسها إلى عام 1895 تحت اسم جامعة تيانجين الامبراطورية.
وفي عام 1951، بعد إعادة الهيكلة تم تغيير اسمها إلى جامعة تيانجين، وأصبحت واحدة من أكبر جامعات الهندسة متعددة التخصصات في الصين، فيما وصل عدد طلابها الأجانب في عام 2017 إلى 1347 طالبا.