كامينيتو.. متحف مفتوح في الهواء الطلق يغري زوار بوينوس أيريس

المذكرة السياحية

 لم يكن يدر في خلد آلاف المهاجرين القادمين من أوروبا وهم يعبرون الأطلسي قبل الوصول إلى الأرجنتين، وتحديدا إلى ميناء بوينوس أيريس أن جزءا من الحي الذين بنوه قرب هذه المنشأة سيتحول مع توالي السنين إلى متحف مفتوح في الهواء الطلق يرتاده ملايين السياح سنويا.

فمنذ نحو قرنين تقريبا، قام المهاجرون الذين توافدوا على العاصمة الأرجنتينية عبر مرفئها الرئيسي ببناء حي “بوكا” ومن ضمنه شارع “كامينيتو” الذي يشبه ورشة فنية تلخص جانبا معتبرا من الحياة الثقافية المحلية.

فهذا الشارع يزدحم منذ عقود بالفنانين الذين يشتغلون على الخصوص في فنون الرسم والنحت وصناعة تماثيل المشاهير والرقص على إيقاعات التانغو.

ويعرض هؤلاء الفنانون البارعون أعمالهم ومنتجاتهم بالفضاء الشهير بالعاصمة، الذي يقع بمصب نهر رياتشويلو، سواء لتزيينه أو لعرضها للبيع على السياح الأجانب و الأرجنتينيين الذين يغريهم “كامينيتو” بزيارته، وذلك منذ ما لا يقل عن 63 عاما.

وأول ما يلفت نظر الزائر إلى هذا الجزء من حي بوكا تعدد طلاء منازله، إذ اضطر ملاك هذه العقارات قبل عقود إلى صباغة منازلهم بألوان متباينة لقلة حيلتهم وضيق ذات اليد آنذاك.

فكلما سمحت لهم مواردهم حينها باقتناء كمية قليلة من الطلاء أو الحصول عليه مجانا من داخل ميناء العاصمة القريب منهم، سارعوا إلى استعماله لصباغة منازلهم في انتظار حصولهم بالطريقة ذاتها على كمية أخرى من المادة ذاتها التي لم يكن يهمهم ترف الحصول على لون واحد منها.

وتفسر الحاجة إلى الصباغة أيا كان لونها تعدد ألوان المنازل التي تحولت إلى ما يشبه لوحات فنية تشكل الآن عامل جذب لاستقطاب الزائرين والسياح.

وسواء على الأرض أو على شرفات وأسقف منازل شارع كامينيتو، يزدحم هذا الأخير، الذي يصفه الناس والإعلام بالمتحف المفتوح، بتماثيل تصور مشاهير ونجوما أرجنتينيين ينتمون إلى مجالات الرياضة والأديان وحقوق الانسان.

ومن ضمن هؤلاء نجم نادي “بوكا  جونيوروز” السابق وأسطورة كرة القدم الأرجنتينية دييغو مارادونا، والبابا فرانسيس، والناشطة الراحلة “إيفا بيرون” زوجة الرئيس الراحل خوان بيرون.

ويعتقد الكثير من الباحثين والأرجنتينيين أن “التانغو” قد رأى النور في حي “بوكا”، ولذلك يفد عدد كبير من الأشخاص على “كامينيتو” للاستمتاع بهذه الرقصات التي يؤديها فنانون محترفون من الجنسين طيلة ساعات اليوم.

وتتخذ المقاهي والمحلات التجارية بهذا الشارع المتواضع والشهير من فن التانغو آلية لاستقطاب المستهلكين، وتوظف راقصين محترفين يقضون بالتناوب جل ساعات اليوم في أداء رقصات تسمح بتجمهر المئات من رواد المكان سواء للإستمتاع بها أو للمشاركة فيها بالنسبة لمن يتقنون هذا الفن ويرغبون في ممارسته بالبلاد التي اشتهرت به.

واحتراما لنادي حي بوكا جونيوروز، تمتنع المحلات التجارية والباعة المتجولون بكامينيتو من تلقاء أنفسهم عن بيع قمصان وأحذية نادي “ريفير بلايت” الغريم التاريخي لنادي بوكا الذي يوجد ملعبه الشهير “لا بونبونيرا” على بعد خطوات فقط من “كامينيتو”.

ويقترن اسم “كامينيتو” بالفنان الأرجنتيني بنيتو كينكيلا مارتين الذي بذل قبل عقود جهودا مضنية لتزيين هذا الشارع والنهوض به بعدما كان مكانا مهجورا.

ويحتضن حي بوكا وضمنه  “كامينيتو” فسيفساء متنوعة تضم أرجنتينيين ومهاجرين من دول متباينة على الخصوص من أمريكا الجنوبية.

وفضلا عن قمصان وأحذية “بوكا جونيورز”، يعرض الشارع المفعم بالألوان على زائريه عددا كبيرا من الملابس التقليدية والهدايا التذكارية والصور والأوكسوسوارات.

ولأنه يقع في محيط يعتبر خطرا على المستوى الأمني، تعبئ السلطات عددا كبيرا من عناصر الأمن ورجال الشرطة لضمان أمن من يترددون على “كامينيتو” والإبقاء عليه وجهة سياحية تضمن لآلاف الأشخاص بشكل مباشر أو غير مباشر مناصب شغل مهمة.