المذكرة السياحية
مُحاطا بأدوات وأقلام من أحجام مختلفة، يجلس الخطاط عمر الهادي بركنه المعهود ببيته بمدينة القنيطرة ليخط آيات بينات من الذكر الحكيم، وكله حرص على اتساقها وفق قواعد ومحددات دقيقة.
لم تقف الإعاقة الجسدية حجر عثرة أمام طموح عمر الهادي وشغفه بهذا الفن، فإرادته القوية للإبداع مكنته من صنع أسلوب متفرد في فن الخط، وأن يرسم لنفسه مسارا يميزه عن غيره من الخطاطين.
يقول عمر الهادي في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، “بدأت رحلتي مع الخط العربي في سن مبكرة، عندما كنت أخط وردي اليومي من القرآن الكريم على ألواح خشبية بحروف عربية أنيقة شغفت بها حبا”، مؤكدا أنه رغم مرور السنين، “لا ينقضي يوم إلا وأجدني مذهولا أكثر من ذي قبل بعظمة هذا الفن وسحره”.
ولد عمر الهادي، الذي كتب المصحف الكريم كاملا على جلد الماعز بالمكواة، بمدينة جرادة في العام 1959، وترعرع بين دروبها، وختم القرآن الكريم في رحاب كتاتيبها القرآنية، حيث أخذ فن الخط عن مشايخه، تذوقه بشغف وأمعن فيه، واستوعب تفاصيله.
ورغم إتقانه لكل أنواع الخطوط العربية، باعتباره صاحب منهج ذي دقة وجمالية كبيرتين، إلا أنه يكن حبا وشغفا خاصين للخط المغربي الأصيل، من الجلي إلى الجليل والمبسوط.
ومما يزيد من تفرد أسلوبه، اتخاذه الجلد ورقا لكتاباته والغاية كما يرويها تكمن “في صلاحية الجلد لفترة أطول، فكلما تقادم زاد رونقا، ولعل هذا ما دفعني إلى كتابة المصحف كاملا على الجلد، إذ تحذوني رغبة في أن يبقى إرثا مغربيا للأجيال القادمة”.
وفي عمله هذا، يستعين عمر بمكواة كهربائية تمكنه من الكتابة بشكل أوضح، ومكعب حديدي يساعده على التركيز في رسم الحروف، وعجلة متحركة تناوله الحبر والأقلام.
يوضح الهادي أن له طقوسا روحانية خاصة تصاحبه أثناء كتابة القرآن الكريم، قائلا ” أقوم من مضجعي في الثلث الأخير من الليل، أتوضأ وأصلي وأسأل الله السداد، وبعدها أشرع في الكتابة، ولا أقوم من مكاني إلا بعد أن أنتهي من كتابة ربع حزب كاملا”.
وقد تجاوزت قدرات الهادي استخدام القواعد الفنية السائدة أو رسم الحروف بالطرق التقليدية، حيث يعمل بمهارة على تكوين الموضوعات الجديدة وتركيب الجمل واستخدام الحروف ذات الأشكال الهندسية المتناسقة، معتمدا على أدوات غير القصبة والحبر.
وبالإضافة إلى الجلد الذي له مكانة خاصة عنده، والذي يخط عليه بخط الرقعة والثلث والنسخ والديواني والمغربي المبسوط، يبدع عمر الهادي لوحات فنية وخطية على النحاس وخشب العرعار وبنواة التمر.
يؤكد عمر الهادي، الذي يعد الخطاط الوحيد الذي كتب المصحف الكريم برواية ورش عن نافع المعتمدة في المغرب، بلمسة مغربية أندلسية وباستعمال الكي على الجلد، “صحيح أني لست وفيا لمدرسة معينة في الخط، لكني ملم بدراسة الخط الذي يرسم به القرآن، أستنبط منه القواعد وأضع لمستي الخاصة، ولعلني أجد في الخط المغربي المبسوط راحة خاصة”.
وإذا كانت كتابة القرآن الكريم على الجلد من أحب الأعمال إلى قلبه، فلعمر الهادي طموح في أن تجد هذه “التحفة الفنية” مكانها في أحد المتاحف الكبرى بالمملكة، حتى تظل إرثا تحفظه الذاكرة والتاريخ وتتوارثه الأجيال.