
المذكرة السياحية
عرفت المحطة الريحية “كودية البيضاء” بالقرب من مدينة تطوان تحولا تكنولوجيا غير مسبوق، أعاد إحياء أولى محطات الرياح في المغرب التي انطلقت سنة 1999. هذا التحديث الشامل جاء في إطار مشروع ضخم أطلقته شركة “سيمنس غاميسا” بشراكة مع الوكالة المغربية للطاقة المستدامة “مازن” و”EDF Renouvelables”، مكّن من مضاعفة القدرة الإنتاجية للمحطة لتبلغ 100 ميغاواط، باستخدام 20 توربينة فقط من الجيل الجديد بدلا من 90 قديمة.
وقد اعتبر هذا المشروع، الذي وصفته “سيمنس غاميسا” بأنه “الأكثر طموحا في إفريقيا في مجال إعادة تأهيل المحطات الريحية”، نموذجا للنجاعة الطاقية والابتكار التكنولوجي، إذ توفر كل توربينة جديدة طاقة تفوق نظيرتها السابقة بتسع مرات، مما ساهم في تقليص المساحة المستغلة وتخفيف عبء الصيانة.
ويعد هذا الورش ثمرة تمويل مشترك من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (BERD) وتحالف بنكي محلي ودولي، ويكرّس توجّهًا جديدًا في إدارة البنيات التحتية الطاقية يقوم على منطق “التأهيل بدل الإحلال”، في وقت تقترب فيه العديد من المحطات الطاقية حول العالم من نهاية دورة حياتها. كما يُصنف المشروع المغربي كأول مبادرة من هذا الحجم على مستوى القارة قبل حلول سنة 2032.
ومن أبرز عناصر التميز في هذا المشروع اعتماده على تدبير بيئي مبتكر لعملية التفكيك، حيث تم تدوير الأعمدة القديمة محليا، وصيانة الأجزاء التقنية الأساسية، في حين أعيد استخدام شفرات التوربينات في إنتاج الإسمنت، مما يندرج ضمن مقاربة الاقتصاد الدائري ويأخذ بعين الاعتبار التكاليف المستقبلية المرتبطة بوقف التشغيل (Abex)، وهي مسألة لا تزال مغيبة في غالبية المشاريع الطاقية التقليدية.
إلى جانب الأثر البيئي والتقني، فتح مشروع “كودية البيضاء” آفاقا جديدة في مجال التكوين المهني، حيث تم تسليم 11 توربينة كاملة لمؤسسات مغربية مثل جامعة تطوان، ومعهد IFMEREE بطنجة، ومكتب التكوين المهني، لتُستخدم كوسائل تعليمية عملية تمكن الطلبة من الانتقال من النظري إلى الميداني.
وبهذا الإنجاز، يعزز المغرب موقعه كفاعل ريادي في مجال الطاقات المتجددة على الصعيد الإفريقي، ويبرهن على قدرة المشاريع الطاقية على الجمع بين الإنتاج النظيف، والاستدامة البيئية، والاستثمار في الكفاءات الوطنية.